التوازن بين الطوائف وقاعدته المناصفة بين المسلمين والمسيحيين ركن من أركان استقرار لبنان وجوهر اتفاق الطائف، وبقدر أهمية تحقيق هذا المبدأ في قوانين الإنتخابات من ضمن مسار يجب أن ينتهي بإلغاء الطائفية دون إثارة الخوف من طائفية مستورة تختفي بين سطور إلغاء الطائفية، تبدو المنصة الدستورية والسياسية لتظهير روح المناصفة والتوازن بين كل دورتين إنتخابيتين، في مجلس الوزراء الذي تحكمه منذ ولادة الحكومة وتشكيلها العلاقة التي تعكس هذه الروح القائمة على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين بما هو ابعد من مجرد العدد، والتوازن في القدرة على التأثير في قرارات الحكومة بينهما، والتعاون والتوازن هنا هما السمة التي نص الدستور على جعلها رفيقاً للعلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.
ليس خافياً أن هناك شعور مسيحي عام بأن هذا المبدأ قد جرى انتهاكه منذ اتفاق الطائف، وان التمثيل المسيحي النيابي والوزراي والرئاسي كان شكلياً، كما ليس خافياً أن جزءاً من المناخ الذي جعل انتخاب الرئيس العماد ميشال عون فرصة استثنائية للنهوض بلبنان، هو أنه إضافةً لوطنيته المشهودة، وتطلعاته الإصلاحية الواضحة، هو أن الرئيس العماد يشكل تعبيراً عن الثقة المسيحية بتحقيق هذا التوازن، والثقة لدى المسلمين بتحقيق ذلك التعاون، ونقطة البداية فيهما التي ستحكم مسار العهد وما بقي منه من سنوات لها الطابع التأسيسي في حياة لبنان واللبنانيين، هي كيفية ولادة الحكومة الجديدة.
خلال مسار التعثر الحكومي ظهرت حملة سياسية إعلامية عنوانها اتهام رئيس الجمهورية وتكتل لبنان القوي بالسعي لامتلاك الثلث المعطل، وهو مجرد جمع للحصة التي يستحقها التكتل مع الحصة التي جرى العرف على احتسابها لرئيس الجمهورية، فظهر أن الجمع هو أحد عشر وزيرا اي ما يعادل ثلث حكومة ثلاثينية مع وزير زائد، ومن هذه النقطة انطلقت الضغوط على فريق التكتل والرئيس للمطالبة أمام كل عقدة بتقديم التنازل، تحت شعار التخلي عن الثلث المعطل، وصعد الأمر بقوة إلى السطح مع العقدة الأخيرة بتمثيل اللقاء التشاوري والدعوة لجعلها من حصة رئيس الجمهورية، وشهد اجتماع بكركي النيابي سجالاً بين النواب المسيحيين تحت هذا العنوان وفيه بوضوح دعوة الرئيس والتكتل للتنازل عن الثلث المعطل.
لم تكن هنلك مشكلة مبدئية بالتنازل عن وزير، وفكرة الثلث المعطل ليست مطلباُ للرئيس والتكتل، لكن لا بد من رؤية اي توازن يراد إنشاؤه في الحكومة بطلب هذا التنازل ؟
جاء الجواب على السؤال فوراُ بالحديث عن أن البديل صيغة الثلاثة عشرات، أي عشرة للتكتل والرئيس وعشرة لرئيس الحكومة وحلفائه وعشرة للثنائي الشيعي وحلفائه، ولدى التدقيق تبين أن الثلاثة عشرات لا وجود لها عملياً، فالمطلوب قبول التكتل والرئيس بعشرة وزراء مقابل إحتفاظ رئيس الحكومة وحلفائه بإثني عشر وزيراً، وهذا لو كان مبيناً على معادلات التمثيل النيابي وما يمليه من حصص في الحكومة لكان قابلاً للنقاش، لكنه وفي الحالة الراهنة مجرد تعجيز سياسي
تحت طائلة الاتهام بالتعطيل، يصير قبوله إخلالاً بمقتضيات التوازن والتعاون التي تشكل ثنائية النجاح في مسيرة النهوض بالدولة وإستعادة الثقة المسيحية خصوصاً، بأن عهداً جديداً قائماً على الشراكة الحقيقية يبدأ.
الطبيعي هنا أن تتجه أنظارنا نحو الأصوات المسيحية التي تطالب رئيس الجمهورية وتكتل لبنان القوي بالتنازل عن وزير تحت شعار التخلي عن الثلث المعطل، للسؤال حول سبب تجاهلها مطالبة رئيس الحكومة وحلفائه بالتنازل عن وزيرين تحت ذات الشعار، التخلي عن الثلث المعطل ؟
ظلم في السوية عدل في الرعية إلا إذا كان القصد هو إضعاف الرئاسة وموقع المسيحيين في الدولة ؟